أساطير الهنود الحمر

هبة الطوطم: حكايات من التراث الشعبي، ترجمة وتقديم راوية صادق، هي عمل مهم يعيد لنا تراث الهنود الحمر الشفاهي كما تناقلته قبائلهم أبًا عن جد، ويعطينا صورة نادرة وأصيلة عن حياة وتقاليد هذا الشعب الذي تعرض لمحنة عظيمة. يُعتبر هذا الكتاب نافذة هامة على تراث ثقافي تعرض للتهميش والإبادة في خضم الحملات الاستعمارية التي اجتاحت أراضيهم.

يتناول الكتاب الحكايات الشعبية التي تجسد بوضوح قيم ومعتقدات الهنود الحمر، والتي كانت تُروى شفوياً عبر الأجيال. تُظهر هذه الحكايات كيف عاش الهنود الحمر، وكيف تعاملوا مع قضايا حياتهم، وعلاقتهم بالطبيعة والأرواح. تتجاوز الحكايات مجرد كونها سردًا أدبيًا؛ فهي تعكس جوهر ثقافة ونمط حياة تعرض للإبادة والتشويه.

أهمية هذا العمل تأتي من كونه يقدم الصورة الحقيقية للشعب الذي تم تهميشه في وسائل الإعلام السائدة، والتي صوَّرت “العصر الذهبي” للغرب كفترة ازدهار وتقدم، بينما في الواقع كانت تلك الفترة بمثابة عصر إبادة جماعية للشعوب الأصلية. كانت المسلسلات والأفلام الأمريكية التي تتحدث عن رعاة البقر والغزو الغربي تهدف إلى تبرير الأفعال الوحشية للمستعمرين البيض. لقد صورت تلك الأعمال الغزو على أنه عمل مشروع وضروري للقضاء على ما وصفوه ببر barbarism، في حين أن الحقيقة كانت أن الهنود الحمر كانوا ضحايا لإبادة ثقافية وعرقية.

يستعرض الكتاب من خلال ترجمته وتقديمه، كيف أن التراث الشعبي للهنود الحمر يحتوي على قصص عن البطولة والشجاعة، لكن أيضًا عن الألم والتهجير. الحكايات التي يقدمها الكتاب تُظهر عمق الثقافة الهندية الأصيلة، وتكشف كيف كان هؤلاء الناس يعيشون في تناغم مع بيئتهم ومع الطبيعة من حولهم، وكيف كانوا يتعاملون مع الأرواح والقوى الخارقة وفقًا لمعتقداتهم.

ترجمة راوية صادق، التي قامت بها بيت الياسمين للنشر والتوزيع، ليست مجرد نقل للغة، بل هي جهد لإعادة إحياء وتقدير جزء من التاريخ الذي كان قد تم محوه أو تشويهه. إن تقديم هذا العمل للقارئ العربي يفتح أمامه نافذة على عالم من الحكمة والتراث الذي تم تهميشه لعقود. يقدم الكتاب فرصة لتفهم أعمق للثقافة الأصلية للشعوب التي عانت من الاستعمار والإبادة، ويعيد إلى الحياة القصص التي تُظهر قوة وشجاعة هؤلاء الناس في مواجهة التحديات العظيمة التي فرضت عليهم.

في النهاية، يقدم بيت الياسمين للنشر والتوزيع هذا العمل كجزء من جهودهم لإبراز وتوثيق التراث الثقافي المتنوع، ليس فقط من خلال نشر الكتب، بل من خلال تقديم المعرفة التي تساعد في تصحيح الروايات التاريخية التي تم تزييفها. “هبة الطوطم” هو دعوة للقارئ للتفكير في التاريخ بطريقة أعمق وفهم قصص الشعوب الأصلية بشكل أكثر واقعية وإنصافًا.